فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله تعالى: {مَنسَكًا هم نَاسِكُوهُ}.
فيه أربعة أوجه: أحدها: أنه العيد، قاله ابن قتيبة.
الثاني: أنها المواضع المعتادة لمناسك الحج والعمرة، قاله الفراء.
الثالث: المذبح، قاله الضحاك.
الرابع: المنسك الْمُتَعَبد والنسك العِبَادَة ومنه سمي العَابِدُ ناسكًا، قاله الحسن. اهـ.

.قال ابن عطية:

{لِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هم نَاسِكُوهُ}.
و المنسك المصدر فهو بمعنى العبادة والشرعة، وهو أيضًا موضع النسك، وقرأت فرقة بفتح السين وفرقة بكسرها وقد تقدم القول فيه في هذه السورة، وقوله: {هم ناسكوه} يعطي أن المنسك المصدر ولو كان الموضع لقيل هم ناسكون فيه، وروت فرقة أن هذه الآية نزلت بسبب جدال الكفار في أمر الذبائح، وقولهم للمؤمنين تأكلون ما ذبحتم فهو من قتلكم ولا تأكلون ما قتل الله من الميتة فنزلت الآية بسبب هذه المنازعة، وقوله: {فلا ينازعنك} هذه البينة من الفعل والنهي تحتمل معنى التخويف، وتحتمل معنى احتقار الفاعل وأنه أقل من أَن يفاعل وهذا هو المعنى في هذه الآية، وقال أبو إسحاق: المعنى فلا تنازعهم فينازعوك ع وهذا التقدير الذي قدر إنما يحسن مع معنى التخويف، وإنما يحسن أن يقدر هنا فلا يد لهم بمنازعتك، فالنهي إنما يراد به معنى من غير اللفظ، كما يراد في قولهم لا أرينك ها هنا أي لا تكن ها هنا، وقرأت فرقة {فلا ينزعنَّك}، وقوله: {في الأمر} معناه على التأويل أَن المنسك الشرعة لا ينازعنك في الدين والكتاب ونحوه، وعلى أَن المنسك موضع الذبح على ما روت الفرقة المذكورة من أن الآية نزلت في الذبائح يكون الأمر الذبح، والهدى في هذه الآية الإرشاد، وقوله: {وإن جادلوك} الآية موادعة محضة نسختها آية السيف، وباقي الآية وعيد. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {لكلِّ أُمَّة جعلنا مَنْسَكًا}.
قد سبق بيانه في هذه السورة [الحج: 34] {فلا يُنَازِعُنَّكَ في الأمر} أي: في الذبائح، وذلك أن كفار قريش وخزاعة خاصموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الذبيحة، فقالوا: كيف تأكلون ما قتَلتم ولا تأكلون ما قتله الله؟! يعنون: الميتة.
فإن قيل: إِذا كانوا هم المنازعين له، فكيف قيل: {فلا يُنَازِعُنَّكَ في الأمر}؟
فقد أجاب عنه الزجاج، فقال: المراد: النهي له عن منازعتهم، فالمعنى: لا تنازعنَّهم، كما تقول للرجل: لا يخاصمنَّك فلان في هذا أبدًا، وهذا جائز في الفعل الذي لا يكون إِلا من اثنين، لأن المجادلة والمخاصمة لا تتم إِلا باثنين، فإذا قلت: لا يجادلنَّك فلان، فهو بمنزلة: لا تجادلنَّه، ولا يجوز هذا في قولك: لا يضربنَّك فلان وأنت تريد: لا تضربنَّه، ولَكِن لو قلت: لا يضاربنَّك فلان، لكان كقولك: لا تضاربنَّ، ويدل على هذا الجواب قوله: {وإِن جادلوك}.
قوله تعالى: {وادع إِلى ربِّك} أي: إِلى دينه والإِيمان به.
و{جادلوك} بمعنى: خاصموك في أمر الذبائح، {فقل الله أعلمُ بما تعملون} من التكذيب، فهو يجازيكم به.
{الله يحكم بينكم يوم القيامة} أي: يقضي بينكم {فيما كنتم فيه تختلفون} من الدِّين، أي: تذهبون إِلى خلاف ما ذهب إِليه المؤمنون؛ وهذا أدب حسن علَّمه الله عباده ليردُّوا به مَن جادل على سبيل التعنُّت، ولا يجيبوه، ولا يناظروه.
فصل:
قال أكثر المفسرين: هذا نزل قبل الأمر بالقتال، ثم نسخ بآية السيف.
وقال بعضهم: هذا نزل في حق المنافقين، كانت تظهر من أقوالهم وأفعالهم فلَتات تدل على شركهم، ثم يجادِلون على ذلك، فوكل أمرهم إِلى الله تعالى، فالآية على هذا محكمة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا} أي شرعا.
{هُمْ نَاسِكُوهُ} أي عاملون به.
{فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الأمر} أي لا ينازعنك أحد منهم فيما يُشرع لأمتك؛ فقد كانت الشرائع في كل عصر.
وروت فرقة أن هذه الآية نزلت بسبب جدال الكفار في أمر الذبائح، وقولهم للمؤمنين: تأكلون ما ذبحتم ولا تأكلون ما ذبح الله من الميتة، فكان ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم أنتم بسكاكينكم؛ فنزلت الآية بسبب هذه المنازعة.
وقد مضى هذا في الأنعام والحمد لله.
وقد تقدم في هذه السورة ما للعلماء في قوله تعالى: {مَنسَكًا}.
وقوله: {هُمْ نَاسِكُوهُ} يعطي أن المَنْسك المصدر، ولو كان الموضع لقال هم ناسكون فيه.
وقال الزجاج: {فلا يُنَازِعُنَّك في الأمر} أي فلا يجادلنّك؛ ودلّ على هذا {وإن جَادَلُوكَ}.
ويقال: قد نازعوه فكيف قال فلا ينازعنك؛ فالجواب أن المعنى فلا تنازعهم أنت.
نزلت الآية قبل الأمر بالقتال، تقول: لا يضاربنك فلان فلا تضاربه أنت؛ فيجري هذا في باب المفاعلة.
ولا يقال: لا يضربنك زيد وأنت تريد لا تضرب زيدًا.
وقرأ أبو مِجْلَز {فلا يَنْزِعنّك في الأمر} أي لا يستخفَنَّك ولا يغلبنك عن دينك.
وقراءة الجماعة من المنازعة.
ولفظ النهي في القراءتين للكفار، والمراد النبيّ صلى الله عليه وسلم.
{وادع إلى رَبِّكَ} أي إلى توحيده ودينه والإيمان به.
{إِنَّكَ لعلى هُدًى} أي دين.
{مُّسْتَقِيمٍ} أي قويم لا اعوجاج فيه.
قوله تعالى: {وَإِن جَادَلُوكَ} أي خاصموك يا محمد؛ يريد مشركي مكة.
{فَقُلِ الله أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} يريد مِن تكذيبهم محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ عن ابن عباس.
وقال مُقاتل: هذه الآية نزلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وهو في السماء السابعة لما رأى من آيات ربّه الكبرى؛ فأوحى الله إليه {وإنْ جادلوك} بالباطل فدافعهم بقولك {الله أعلم بما تعملون} من الكفر والتكذيب؛ فأمره الله تعالى بالإعراض عن مماراتهم صيانةً له عن الاشتغال بتعنّتهم؛ ولا جواب لصاحب العِناد.
{الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ القيامة} يريد بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وقومِه.
{فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} يريد في خلافكم آياتي، فتعرفون حينئذٍ الحق من الباطل.
مسألة: في هذه الآية أدبٌ حَسَنٌ علّمه الله عبادَه في الردّ على من جادل تعنُّتًا ومِراء ألا يجاب ولا يناظر ويُدفع بهذا القول الذي علمه الله لنبيّه صلى الله عليه وسلم.
وقد قيل: إن هذه الآية منسوخة بالسيف؛ يعني السكوت عن مخالِفه والاكتفاء بقوله: {الله يحكم بينكم}. اهـ.

.قال أبو حيان:

{لكل أمة جعلنا منسكًا}.
روي أنها نزلت بسبب جدال الكفار بديل بن ورقاء وبشر بن سفيان الخزاعيين وغيرهما في الذبائح وقولهم للمؤمنين: تأكلون ما ذبحتم وهو من قتلكم، ولا تأكلون ما قتل الله فنزلت بسبب هذه المنازعة.
وقال ابن عطية {هم ناسكوه} يعطى أن المنسك المصدر ولو كان الموضع لقال هم ناسكون فيه انتهى.
ولا يتعين ما قال إذ قد يتسع في معمول اسم الفاعل كما يتسع في معمول الفعل فهو موضع اتسع فيه فأجرى مجرى المفعول به على السعة، ومن الاتساع في ظرف المكان قوله:
ومشرب أشربه رسيل ** لا آجن الماء ولا وبيل

مشرب مكان الشرب عاد عليه الضمير، وكان أصله أشرب فيه فاتسع فيه فتعدى الفعل إلى ضميره ومن الاتساع سير بزيد فرسخان.
وقرئ {فلا ينازعنك} بالنون الخفيفة أي أثبت على دينك ثباتًا لا يطمعون أن يجذبوك، ومثله {ولا يصدنك عن آيات الله} وهذا النهي لهم عن المنازعة من باب لا أرينك ههنا، والمعنى فلابد لهم بمنازعتك فينازعوك.
وقرأ أبو مجلز {فلا ينازعنك} من النزع بمعنى فلا يقلعنك فيحملونك من دينك إلى أديانهم من نزعته من كذا و{الأمر} هنا الدين، وما جئت به وعلى ما روي في سبب النزول يكون {في الأمر} بمعنى في الذبح {لعلى هدى} أي إرشاد.
وجاء و{لكل أمة} بالواو وهنا {لكل أمة} لأن تلك وقعت مع ما يدانها ويناسبها من الآي الورادة في أمر النسائك فعطفت على أخواتها، وأما هذه فواقعة مع أباعد عن معناها فلم تجد معطفًا قاله الزمخشري.
{وإن جادلوك} آية موادعة نسختها آية السيف أي وإن أبوا للجاجهم إلاّ المجادلة بعد اجتهادك أن لا يكون بينك وبينهم تنازع فادفعهم بأن الله أعلم بأعمالكم وبقبحها وبما تستحقون عليها من الجزاء، وهذا وعيد وإنذار ولَكِن برفق ولين {الله يحكم بينكم} خطاب من الله للمؤمنين والكافرين أي يفصل بينكم بالثواب والعقاب، ومسلاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان يلقى منهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{لِكُلّ أُمَّةٍ} كلام مستأنف جِيء به لزجر معاصريه عليه السَّلامُ من أهل الأديان السَّماويةِ عن منازعته عليه السَّلامُ ببيان حالِ ما تمسكوا به من الشَّرائع وإظهارِ خطئِهم في النَّظرِ أي لكلِّ أمةٍ معيَّنةٍ من الأممِ الخاليةِ والباقيةِ {جَعَلْنَا} أي وضعنَا وعيَّنا {مَنسَكًا} أي شريعةً خاصَّةً لا لأمةٍ أُخرى منهم على معنى عيَّنا كلَّ شريعةٍ لأمةٍ معيَّنةٍ من الأمم بحيث لا تتخطَّى أمةٌ منهم شريعتَها المعيَّنةَ لها إلى شريعةٍ أُخرى لا استقلالًا ولا اشتراكًا. وقوله تعالى: {هُمْ نَاسِكُوهُ} صفة لمَنْسكًا مؤكِّدةٌ للقصر المستفادِ من تقديم الجارِّ والمجرور على الفعل، والضَّميرُ لكلِّ أمةٍ باعتبار خصُوصها أي تلك الأُمَّةُ المعيَّنةُ ناسكوه والعاملون به لا أمةٌ أُخرى فالأمةُ التي كانت من مبعث مُوسى عليه السَّلامُ إلى مبعث عيسَى عليه السَّلامُ منسَكُهم التَّوراةُ هم ناسكوها والعاملونَ بها لا غيرُهم والتي كانت من مَبعثِ عيسى إلى مبعثِ النبيِّ عليهما السَّلامُ منسكُهم الإنجيلُ هم ناسكُوه والعاملون به لا غيرُهم وأما الأمَّةُ الموجودةُ عند مبعثِ النبيِّ عليه السَّلامُ ومن بعدهم من الموجودينَ إلى يومِ القيامةِ فهُم أمةٌ واحدةٌ منسكهم الفرقانُ ليس إلاَّ كما مرَّ في تفسيرِ قوله تعالى: {لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومنهاجا} والفاء في قوله تعالى: {فَلاَ ينازعنك في الأمر} لترتيبِ النَّهيِ أو موجبِه على ما قبلها فإنَّ تعيينَه تعالى لكُلِّ أُمَّةٍ من الأمم التي من جُملتهم هذه الأمةُ شريعةً مستقلَّةً بحيث لا تتخطَّى أُمَّةٌ منهم شريعتَها المعيَّنةَ لها موجبٌ لطاعةِ هؤلاء لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم وعدمِ منازعتِهم إيَّاهُ في أمرِ الدِّينِ زعمًا منهم أنَّ شريعتَهم ما عُيِّن لآبائِهم الأوَّلينَ من التَّوراةِ والإنجيلِ فإنَّهما شريعتانِ لمن مَضَى من الأمم قبل انتساخِها وهؤلاء أمةٌ مستقلَّةٌ منسكهم القران المجيد فحسب، والنَّهيُ إمَا على حقيقتِه أو كنايةٌ عن نهيِه عليه السَّلامُ عن الالتفات إلى نزاعهم المنبىءِ على زعمهم المذكورِ، وأما جعله عبارةً عن نهيِه عليه السَّلامُ عن منازعتهم فلا يساعدُه المقامُ. وقرئ {فلا ينزعنَّك} على تهييجِه عليه السَّلامُ والمبالغةِ في تثبيتِه، وأيًّا ما كان فمحلُّ النِّزاعِ ما ذكرناهُ وتخصيصُه بأمر النَّاسكِ وجعلُه عبارةً عن قول الخُزاعيين وغيرِهم للمسلمينَ: ما لكم تأكُلون ما قتلتُم ولا تأكُلون ما قتلَه الله تعالى ممَا لا سبيلَ إليهِ أصلًا كيف لا وأنَّه يستدعِي أن يكونَ أكلُ الميتةِ وسائرُ ما يدينونَه من الأباطيلِ من جملة المناسكِ التي جعلها الله تعالى لبعضِ الأُممِ ولا يرتابُ في بُطلانِه عاقلٌ. {وادع} أي وادعُهم أو وادعُ النَّاسَ كافَّةً على أنَّهم داخلون فيهم دُخولًا أوليًّا {إلى رَبّكَ} إلى توحيدِه وعبادتِه حسبما بُيِّن لهم في منسكِهم وشريعتِهم {إِنَّكَ لعلى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ} أي طريقٍ موصِّلٍ إلى الحقِّ سويّ، والمرادُ به إما الدِّينُ والشَّريعةُ أو أدلَّتُهما.
{وَإِن جادلوك} بعد ظهورِ الحقِّ بما ذُكر من التَّحقيق ولزومِ الحُجَّةِ عليهم {فَقُلْ} لهم على سبيل الوعيدِ {الله أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} من الأباطيلِ التي من جُملتها المجادلةُ.
{الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} يفصل بين المؤمنين منكُم والكافرينَ {يَوْمُ القيامة} بالثَّوابِ والعقابِ كما فصَل في الدُّنيا بالحججِ والآياتِ {فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} من أمرِ الدِّينِ. اهـ.

.قال الألوسي:

{لِكُلّ أُمَّةٍ} كلام مستأنف جىء به لزجر معاصريه عليه الصلاة والسلام من أهل الأديان السماوية عن منازعته عليه الصلاة والسلام ببيان حال ما تمسكوا به من الشرائع وإظهار خطئهم في النظر أي لكل أمة معينة من الأمم الخالية والباقية {جَعَلْنَا} وضعنا وعينًا {مَنسَكًا} أي شريعة خاصة، وتقديم الجار والمجرور على الفعل للقصر لا لأمة أخرى منهم، والكلام نظير قولك لكل من فاطمة وزينب وهند وحفصة أعطيت ثوبًا خاصًا إذا كنت أعطيت فاطمة ثوبًا أحمر وزينب ثوبًا أصفر وهندًا ثوبًا أسود وحفصة ثوبًا أبيض فإنه بمعنى لفاطمة أعطيت ثوبًا أحمر لا لأخرى من أخواتها ولزينب أعطيت ثوبًا أصفر لا لأخرى منهن وهكذا، وحاصل المعنى هنا عينا كل شريعة لأمة معينة من الأمم بحيث لا تتخطى أمة منهم شريعتها المعينة لها إلى شريعة أخرى لا استقلالًا ولا اشتراكًا، وقوله تعالى: {هُمْ نَاسِكُوهُ} صفة لمنسكًا مؤكدة للقصر، والضمير لكل أمة باعتبار خصوصها أي تلك الأمة المعينة ناسكون به وعاملون لا أمة أخرى؛ فالأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى عليهما السلام منسكهم ما في التوراة هم عاملون به لا غيرهم، وأما الأمة الموجودة عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من الموجودين إلى يوم القيامة فهم أمة واحدة منسكهم ما في القرآن ليس إلا، والفاء في قوله سبحانه: {فَلاَ ينازعنك في الأمر} أي أمر الدين لترتيب النهي على ما قبلها فإن تعيينه تعالى لكل أمة من الأمم التي من جملتها أمته عليه الصلاة والسلام شريعة مستقلة بحيث لا تتخطى أمة منهم ما عين لها موجب لطاعة هؤلاء له صلى الله عليه وسلم وعدم منازعتهم إياه في أمر الدين زعمًا منهم أن شريعتهم ما عين لآبائهم مما في التوراة والإنجيل فإن ذلك شريعة لمن مضى قبل انتساخه وهؤلاء أمة مستقلة شريعتهم ما في القرآن فحسب، والظاهر أن المراد نهيهم حقيقة عن النزاع في ذلك.
واختار بعضهم كونه كناية عن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الالتفات إلى نزاعهم المبني على زعمهم المذكور لأنه أنسب بقوله تعالى الآتي {وادع} الخ، وأمر الأنسبية عليه ظاهر إلا أنه في نفسه خلاف الظاهر، وقال الزجاج: هو نهي له عليه الصلاة والسلام عن منازعتهم كما تقول: لا يضاربنك زيد أي لا تضاربنه وذلك بطريق الَكِناية، وهذا إنما يجوز على ما قيل وبحث فيه في باب المفاعلة للتلازم فلا يجوز في مثل لا يضربنك زيد أن تريد لا تضربنه، وتعقب بأنه لا يساعده المقام، وقرئ {فَلاَ ينازعنك} بالنون الخفيفة.